:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، نوفمبر 16، 2009

آدامز: شاعر الطيف الرمادي

في بدايات عهدي بالانترنت، كان أوّل ما وقعت عليه عيناي آنذاك صور آنسل ادامز عن الطبيعة باللونين الأبيض والأسود. كانت تلك الصور مليئة بالحيوية والدراماتيكية وكان لها تأثيرها البصري والجمالي الخاصّ.
كان ادامز يفضّل غالبا اللونين الأبيض والأسود، لأنه كان يعتقد بأنه يستطيع من خلالهما أن يرى الطبيعة بشكل أفضل دقة وتفصيلا ممّا يمكن للألوان الأخرى أن تحقّقه.
ومؤخّرا نُشر كتاب يتضمّن عددا من صوره الملوّنة والتي يراها الناس لأوّل مرّة.
آنسل ادامز لم يكن فقط مصوّرا أمريكيا مشهورا، بل كان أيضا احد أعظم المصوّرين في العالم.
المقال المترجم التالي يلقي بعض الضوء على حياته وأعماله.

كان آنسل ادامز احد أعظم فنّاني الطبيعة في القرن العشرين. وقد استطاع أن يحوّل التصوير الفوتوغرافي إلى شكل من أشكال الفنّ. وكان دائما مدافعا عن جمال الطبيعة والتنوّع البيئي.
كان يقول: إن العالم بالنسبة لي كيان حيّ. وأنا لا استطيع أن انظر إلى عشبة صغيرة في الأرض دون أن اشعر بمعنى الحياة. إن كلّ مفردات الطبيعة أحسّ بها في داخلي. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الجبل أو عن جزء من المحيط أو بقعة جميلة من غابة قديمة.
إن كلّ شيء فعلته أو أحسست به كان بتأثير من جمال الطبيعة. كنت أراقب تحوّل الشفق إلى ليل وأتمعّن في اللمعان الغريب للنجوم والبريق الواهن للسماء قبيل الفجر. وكنت اتأمّل شروق الشمس على القمم والقباب من حولي وتلك الرياح الباردة المنعشة التي تهبّ عند الفجر من جهة الجبال".
صور ادامز للجبال والوديان والغابات وغيرها من الأرض غير المأهولة رائعة وفخمة وتحبس الأنفاس.
كانت له عين كبيرة واستذكارية وكان يفهم بدقّة كيف يضمّن مناظر طبيعته الصامتة عنصرا سرديا.
كان حبّ ادامز للطبيعة جارفا، وكان من عادته أن يقضي كثيرا من وقته يجوب البراري والغابات مراقبا التغييرات التي تحدث للطبيعة وللحياة.
ويصف بعض النقاد ادامز بأنه كان المصوّر الذي غمس سموّ الطبيعة الأمريكية في حبر التصوير الفوتوغرافي بالأسود والأبيض، ومن خلال ذلك أضفى عليها معنى جديدا.
كان أسلوبه مقنعا جدّا لدرجة انه جعل الناس يعتقدون أن كلّ شيء في الطبيعة أتى من كتلة من رماد.
وقد ارتبط ادامز بالأسود والأبيض غالبا. وربّما يتفاجأ معظم الناس إذا علموا انه بدأ التصوير بالألوان بعد فترة قصيرة من اختراع آلات التصوير الملوّنة في منتصف ثلاثينات القرن الماضي، وانه عندما توفي عام 1984 كان قد ترك حوالي 3500 صورة بالألوان.
ولم يكن ادامز يعتقد أن عملية الألوان في زمانه قادرة على أن تعطي نتائج يمكن أن تنافس الثراء البصري الذي كان يميّز صوره بالأبيض والأسود.
وكان يؤمن انه لا يمكن التحكّم في نتائج اللون. لكنه مع ذلك كان يقدّر ثراء الألوان الشفّافة ويتطلّع إلى اليوم الذي يمكن فيه طباعتها بما يتفق مع معاييره الخاصّة والعالية. وكان على وشك إخراج كتاب عن نظرية الألوان وتطبيقاتها وغير ذلك مما يمكن أن يتضمّنه الكتاب.
ويبدو انه لم يكن هناك كتاب يشبه ذلك الكتاب الذي كان في ذهنه. لكن بعد تسع سنوات من وفاته، تمّ نشر عدد لا بأس به من صوره الملوّنة للمرّة الأولى في مجموعة اختارها مصوّر فوتوغرفي عظيم آخر هو هاري كالاهان.
وسيعاد نشر الكتاب هذا العام مع عشرين صورة إضافية لم تنشر من قبل.
لكن أيّ نوع من الفنّانين كان ادامز من خلال صوره الملوّنة؟ في الواقع، لم يكن مختلفا كثيرا عن ادامز بالأسود والأبيض. كان متناغما مع الأسطح والتحويرات حتى وهو يعمل مع اشدّ البيئات الطبيعية عنادا وقسوة.
كان يزن ببراعة التباين ما بين الأبيض والأسود وكان يكره الألوان الصارخة.
كما كان يهتمّ بالألوان والظلال التي لا يمكن أن تجد لها اسما.
كان آنسل ادامز ذكيّا بما فيه الكفاية لأن يعرف أن الصور مجرّد تخيّلات تعيدنا إلى الواقع بعين جديدة، وأن على الفنان الحقيقي أن يعدّل ويحوّر تلك التخيّلات كي تتوافق مع هواه.
صُور ادامز لها حضور ماديّ قويّ يهزّ حتى الأسطح المستوية. في إحدى صوره نرى الشمس وهي مغطّاة بالغيوم التي تتحرّك فوق قمم جبال مكلّلة بالثلج. وفي أخرى يمرّ نهر متلويّا نحو مقدّمة صورة تفيض بالجمال والسكينة.
كان يقول: إذا كان التصوير فنّا فإنه لا يجب أن يستنسخ شكلا آخر من أشكال الفن".
وكان يعرف ما الذي تراه الكاميرا وما الذي نراه نحن. وهما أمران مختلفان جدّا.
كتب ادامز ذات مرّة يقول: لم أرَ بعد ولم أنتج صورة ملوّنة يمكن أن ترتقي إلى مفاهيمي ومعاييري الخاصّة عن غايات الفن".
ومن أقواله المشهورة: كثيرا ما ينظر الناس إلى الصورة ونادرا ما ينظرون فيها".
وأيضا: عندما تكون الكلمات غير واضحة أركّز على الصورة، وعندما تكون الصورة غير كافية اقنع بالصمت".
صور ادامز المشهدية والفخمة للطبيعة هي من بين أعظم الصور التي التقطتها الكاميرا.
كانت الغابات والوديان تعني بالنسبة له شروق الشمس ولمعان الألوان الزاهية والخضراء في الحجارة وانبثاق الفراغات الشاسعة في الصحراء.
وقد لا يختلف تأثير صوره عن لوحات الطبيعة الزيتية المشهورة مثل قلب الانديز لـ فريدريك تشيرش وعاصفة في جبال روكي لـ البيرت بيرشتادت.
وكلّ هذه الصور تكشف عن سموّ وجلال الطبيعة وتثير في المتلقي شتّى الانفعالات والمشاعر.