:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، مايو 16، 2014

السائرون نِياماً

  • الرحلة الحقيقية ليست في أن ترى طبيعة جديدة، بل في أن ترى بعينين جديدتين.
    - مارسيل بروست

    قبل أيّام، كنت أقود سيّارتي في نفس الطريق الذي غالبا ما اسلكه كلّ يوم في طريقي من وإلى البيت. وتفاجأت عندما اكتشفت عند احد المنعطفات وجود حديقة صغيرة شُيّدت هناك على ما يبدو كخلفية لسوق أو مجمّع محلات تجارية. والغريب أنني لم انتبه لتلك الحديقة قبل ذلك على الرغم من أنني استخدم ذلك الطريق يوميّا تقريبا.
    والصورة التي كانت في ذهني عن ذلك المكان هو انه عبارة عن ساحة فارغة. وأكيد أن تلك الحديقة لم تظهر بين يوم وليلة، بل لا بدّ وأن الأمر استغرق أسابيع وربّما أشهرا لإنشائها. ومع ذلك فاتني أن ألاحظ هذا على الرغم من مروري من هذا المكان يوميّا.
    وخطر ببالي سؤال: هل أنا ممّن يمكن وصفهم بالسائرين وهم نيام، أي تلك الفئة من الناس الذين يشغلهم التفكير والاستغراق في المشاغل والاهتمامات الآنيّة عن ملاحظة العديد من المناظر والأصوات التي نصادفها يوميّا، ولكن تفوتنا ملاحظتها؟
    في كثير من الأحيان، نمرّ من أمام أشياء أو تفاصيل ولكننا لا نراها لأننا مشغولون، أو أننا ننظر إليها ولكن لا نراها بطريقة واعية ومدركة.
    أنت أيضا قد تكون مررت بمثل هذه التجربة. ربّما كنت في طريقك للعمل أو البيت وتستمع إلى أغنية في الراديو أو تتحدّث إلى صديق في التليفون. وبينما أنت منهمك في ذلك، قد يفوتك رؤية شيء أو أشياء كثيرة تدور من حولك، مثل منظر شجرة أو بناية أو جسر أو حتى منظر حادث .. إلى آخره.
  • ❉ ❉ ❉

    في القرن الثامن عشر، عاش في ألمانيا فيلسوف وشاعر يُدعى فريدريش نوفاليس . كان هذا الرجل يميل لإضفاء مسحة رومانسية وغامضة على العالم. وكان يرى، مثلا، ضرورة أن نعوّد أحاسيسنا على أن ترى في العاديّ شيئا طارئا واستثنائيّا وأن تنظر إلى البسيط أو المألوف باعتباره شيئا غريبا ومثيرا للاهتمام.
    وكان يعتقد بأن هناك مناظر وأصواتا كثيرة وغريبة في هذا العالم، وأننا لا ندركها ولا نتبيّنها لأن أحاسيسنا محدودة وإدراكنا قاصر.
    والروائية البريطانية جورج إليوت قالت ذات مرّة: لو أنّنا نمتلك رؤية فاحصة وإحساسا حقيقيّا بكلّ تفاصيل الحياة الإنسانية العاديّة، لأمكننا سماع العشب وهو ينمو وقلب العصفور وهو ينبض ولأرعبنا ذلك الزئير الذي يقع على الطرف الآخر من الصمت.
    وكلام نوفاليس وإليوت صحيح تماما. فهذا العالم يموج فعلا بمختلف الألوان والأصوات ويضجّ بالنشاط وبالحياة. ونحن لا نرى الكثير منها بسبب محدودية حواسّنا وإدراكنا.

    ترى هل راقبت، مثلا، تشكيلات الغيوم في السماء ذات يوم ممطر؟ كثيرون هم من تجتذبهم هذه الهواية. وأعرف شخصا يقطع بسيّارته عشرات، وأحيانا مئات الأميال لتعقّب ومراقبة الغيوم وتصويرها ويعرف مسبقا أين ومتى تمطر. من الأرض تبدو الغيوم هادئة وقطنية الملمس. لكنها في الواقع هائجة وتضطرم بعنف.
    وثمّة شاهد آخر يدلّل على قصور حواسّنا، وأيضا على النظام المعقّد للكون وعظمة من أوجده، هو طريقة عمل النجوم. فالنجوم لها أصوات، أو بالأحرى همهمات إيقاعية، وهي تشبه إلى حدّ كبير الأجراس. وهذا ينطبق على الشمس التي تُصدر تردّدات تشبه رنين الأجراس، وكلّ جرس يعطي نغمة مختلفة، لكنّها متناغمة مع بقيّة النغمات.
    ولو كان هناك هواء في الفضاء بحيث يمكننا سماع غمغمة الشمس، فستكون صاخبة بشكل لا يُصدقّ لدرجة انه يستحيل سماع شيء آخر. فالشمس تُصدر طاقة صوتية تُقدّر بـ 383 يوتاوات في الثانية الواحدة، أو ما يعادل عشرة ملايين مفتاح أو نغمة بيانو.
    لكن لأننا نبعد عن الشمس مسافة 150 مليون كيلومتر، فإن تلك الأصوات الرهيبة المنبعثة منها تتلاشى في الفضاء ولا يصل منها إلى سطح كوكبنا سوى اقلّ من 125 ديسيبل.

    ❉ ❉ ❉

    في حياتنا اليومية "نرى" أشياء كثيرة، لكنّنا لا نراها حقّا لأنها لا "تتسجّل" أو تنطبع في وعينا. قد تنظر إلى شيء فتومض صورته بطريقة سريعة جدّا بحيث يتعذّر إدراكها في الوعي. وهناك أناس "يرون"، لكنهم لا يعلمون أنهم يرون.
    والإنسان بطبيعته مخلوق يصنع الصور، يخربش، يرسم ويلوّن. وعندما ترسم ما تراه فأنت تلمس بعقلك ذلك الشيء الذي تنظر إليه.
    أحيانا قد تلقي نظرة خاطفة على شيء ما في الشارع لثانية أو اثنتين. لكن لا يمكنك أن تقول ماذا رأيت إلا بعد جزء من الثانية، أي عندما تتموضع الصورة في مكانها وتكتمل أجزاؤها وتفاصيلها.
    في إحدى التجارب العلمية المشهورة، طُلب من مجموعة من الناس أن يتفرّجوا على فيلم يظهر فيه مجموعة من لاعبي كرة السلّة وأن يحسبوا عدد المرّات التي تلامس فيها الأيدي الكرة. طبعا كان الجميع مركّزين على حركة الكرة. لكن في منتصف اللعب، دخل إلى الملعب رجل وظهر أمام الكاميرا وهو يضرب على صدره قبل أن يغادر.
    نصف عدد المجموعة لم يروا ذلك الرجل، بل ولم يتصوّروا انه هناك حتى شاهدوا الفيلم مرّة أخرى. وبالتأكيد لو لم تُكلّف المجموعة بتلك المهمّة بالذات، أي متابعة الكرة، لرأوا الرجل بوضوح.

    ❉ ❉ ❉

    عقل الإنسان يشبه مياه بحيرة أو بِركة. كلّما كانت المياه هادئة، كلّما انعكست عليها الأشياء بوضوح. والعقل الهادئ يستطيع رؤية وإدراك الأشياء بأفضل ممّا يستطيعه العقل المشوّش أو المنشغل. وقلّة التركيز، أو تشتّت الذهن، يعني بالنتيجة عدم القدرة على رؤية، وبالتالي تقدير الأشياء في العالم من حولنا.
    أنت عندما تكتب نصّا على الكمبيوتر، ستكتشف انه غاب عن اهتمامك أو فاتك ملاحظة وجود أشياء كثيرة حول الجهاز وفوق طاولتك. وفي غمرة انشغالك بالكتابة، فإن رؤيتك محدودة باهتمامك. لكن عندما تترك لعينيك الحرّية في أن تتجوّلا في الفراغ، فإنك تكتشف غنى الألوان والأضواء وتشعر بالدهشة ممّا تراه.
    والعلماء والفلاسفة والكتّاب كثيرا ما تساءلوا عن مدى غنى أو فقر عالمنا الصوريّ البصريّ. وهناك كتب ومحاضرات عديدة تطرح هذا السؤال: كيف يمكن لنا أن نرى المزيد من هذا العالم؟

    ❉ ❉ ❉

    البشر لا يستخدمون سوى نسبة بسيطة من حواسّهم. وهم لا يرون سوى جزء يسير من الواقع المنظور ولا يسمعون سوى أعلى الأصوات وأكثرها إزعاجا. والعين عادة لا ترى سوى ما العقل مستعدّ لاستيعابه.
    والآن هل تعتبر نفسك من فئة السائرين نياما؟ إن كان الأمر كذلك فحاول أن تطوّر مستوى رؤيتك وملاحظتك للتفاصيل الصغيرة. واحرص على أن تنظر للأشياء بعينين طازجتين. وستندهش عندما ترى الكثير من الأشياء الفاتنة والجميلة التي لم تكن تراها قبل ذلك من العالم المألوف.

    الثلاثاء، مايو 13، 2014

    آلة الزمن/2

    الضوء، بمعناه الواسع، سواءً كان أشعّة شمس أو شعاع قمر أو حتى ضوء شمعة أو مصباح، ظاهرة مثيرة للاهتمام. وستشعر بالدهشة من حقيقة انه وُجد شخص ما في هذا العالم عاش قبل أكثر من 2500 عام وخطر على باله مثل هذا السؤال الغريب والعبقريّ في آن: هل للضوء سرعة يمكن قياسها، أم أن سرعة الضوء لانهائية وبالتالي يستحيل قياسها؟
    اليوم أصبح من المتّفق عليه أن الضوء له بداية ونهاية، وأن سرعته في الفراغ تُقدّر بـ 300.000 كيلومتر في الثانية. وهذا رقم ثابت ومتّفق عليه عالميّا بعد أن تمّ قياسه بالليزر. والمعروف انه عندما تتضمّن أيّة تجربة عنصر ليزر فإن من الصعب التشكيك في نتائجها.
    لكن في القرن الخامس قبل الميلاد، عاش في اليونان فيلسوف يُدعى إمبيدوكليس. وكان هذا الرجل يجادل بأن للضوء سرعة، وبأن تلك السرعة نهائية ومحدودة، أي انه يمكن قياسها. وقد اختلف معه أرسطو الذي ذهب إلى أن الضوء يسافر بشكل فوريّ ولا يحتاج لزمن كي يقطع المسافة بين نقطتين. واستمرّ الجدل الذي ثار بين إمبيدوكليس وأرسطو حول سرعة الضوء طوال الألفي عام التالية.
    وكان من بين من تناولوا هذه المسألة من خلال نظرياتهم وتجاربهم العديد من العلماء الذين أتوا في ما بعد. ومن هؤلاء عالم هولنديّ اسمه ايساك بيكمان عاش في مطلع القرن السابع عشر. وبعد بيكمان بعشر سنوات، جاء غاليليو الذي كان، هو أيضا، يشكّك بأن سرعة الضوء ليست بلا نهاية.
    وبعد غاليليو، أتى عالم دنمركيّ يُدعى اولي رومر. وقد ركّز رومر ملاحظاته على حركة الكواكب نفسها وتوصّل في النهاية إلى أن الضوء يقطع مسافة 220,000 كيلومتر في الثانية. وهذا الرقم كان دقيقا بشكل يثير الدهشة، خاصّة إذا ما علمنا أن رومر أجرى تجاربه قبل 300 عام من ظهور الليزر.
    ورغم أن عالما آخر يُدعى جيمس برادلي أتى برقم أكثر دقّة في عام 1729، إلا أن اسم رومر دخل التاريخ باعتباره الشخص الذي أثبت لأوّل مرّة أن سرعة الضوء ليست لانهائية وتوصّل إلى رقم دقيق إلى حدّ معقول عن تلك السرعة.
    وبعد ذلك جرت محاولات أخرى لقياس سرعة الضوء من قبل العالمَين الفرنسيين ايبولايت فيزيو وليون فوكو والعالم البروسي البيرت مايكلسون والعالم الأمريكي البيرت اينشتاين.
    لقد استغرق الأمر 300 سنة من التجارب والحسابات لتحديد السرعة التي يقطعها الضوء في الفراغ. وأخيرا تمّ التوصّل إلى هذا الرقم الغريب والمثير للإعجاب، أي 300.000 كيلومتر في الثانية.
    وبالإضافة إلى الجدل الذي أثير حول ما إذا كانت سرعة الضوء لا نهائية أم لا، كان هناك نقاش جانبيّ آخر استمرّ على مدى قرون حول ما إذا كان مصدر الضوء العين نفسها أم جسم آخر.
    ومن بين مشاهير العلماء الذين نزلوا إلى حلبة هذا النقاش كلّ من بطليموس وإقليدس اللذين كانا يؤمنان بنظرية أن الضوء ينبعث من العين. ومعظم الذين اعتقدوا بصحّة هذه النظرية كانوا يرون أيضا بأن سرعة الضوء لا بدّ وأن تكون لا نهائية. وكانت حجّتهم في ذلك أننا بمجرّد أن نفتح أعيننا نرى عددا كبيرا من النجوم في السماء ليلا، وأن ذلك العدد لا يزيد عندما ننظر إلى السماء لوقت أطول.
    وفي ما بعد، اكتُشفت ظاهرة أخرى مثيرة للاهتمام تتمثّل في انه إذا تحرّك مصدر ضوء بعيدا عن الناظر، فإن طول الموجة يمتدّ أو يتّسع. وفي حالة الضوء المرئيّ، فإن الضوء يتحوّل إلى الأحمر في الطيف اللوني. ويُعرف هذا بـ "الانزياح الأحمر".
    إدوين هابل كان أوّل من لاحظ الانزياح الأحمر في المجرّة. كان رجلا متعدّد المواهب، كان ملاكما ومحاميا قبل أن يصبح فلكيّا. وقد لاحظ لأوّل مرّة الظاهرة الغامضة المتمثّلة في أن الضوء القادم من المجرّات يُظهر تحوّلات حمراء. وفي عام 1929، استنتج هابل، وكان مصيبا، أن جميع المجرّات تتحرّك بعيدا عن الأرض. كما لاحظ أيضا انه كلّما كانت المجرّات ابعد، كلّما كانت سرعتها في التحرّك بعيدا أكبر، ما يعني أن الكون آخذ دوما في التوسّع.
    الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في قصّة الضوء هو ذلك المتعلّق بالسفر بسرعة الضوء. وهناك قانون يقول إن الزمن يتحرّك بشكل أبطأ كلّما ازدادت السرعة. وهذا هو ملخّص نظرية النسبية التي تقول إن الزمن نسبيّ وليس مطلقا.

    ترى هل شعرت ذات مرّة بأن الوقت يمضى بسرعة، وأحيانا أخرى ببطء شديد؟ في بعض الأحيان نشعر بأن الساعات تطير وتصبح كالدقائق عندما نكون بصحبة شخص نرتاح له أو نأنس إليه. وأحيانا نشعر بأن الثواني تطول وتتثاقل إلى ما لا نهاية عندما نعلق في زحمة مرور في يوم قائظ مثلا. ومع ذلك، لا يمكننا تسريع الزمن أو تبطئته لأنه يمضي دائما بنفس المعدّل والوتيرة.
    غير أن ألبيرت آينشتاين لم يفكّر بهذه الطريقة. كانت فكرته أنه، من الناحية النظرية، كلّما اقتربنا من السفر بسرعة الضوء "أي بمعدل 186000 ميل في الثانية"، كلّما بدا أن الزمن يتباطأ من منظور شخص هو بالنسبة لنا لا يتحرّك. وقد أسمى آينشتاين تباطؤ الزمن بسبب الحركة بتمدّد الزمن.
    تخيّل مثلا أن تكون واقفا على الأرض وممسكا بساعة، وأن صديقك يجلس في صاروخ يمرّ من أمامك بسرعة الضوء ويمسك بساعة هو أيضا. لو رأيت ساعة صديقك فستلاحظ أنها تبدو وكأنها تتحرّك بوتيرة أبطأ من ساعتك. صديقك، من جهته، يعتقد أن الساعة التي في الصاروخ تتحرّك بطريقة طبيعية، بينما ساعتك على الأرض تتحرّك بسرعة فائقة. يبدو الأمر محيّرا، أليس كذلك؟
    حسنا، تذكّر أن الأمر استغرق سنوات من آينشتاين ليكتشف هذه الحقيقة. وكان في الواقع ذكيّا جدّا.
    وقد ساق مثالا لإظهار آثار تمدّد الزمن في حكاية اسماها "مفارقة التوأم". قال آينشتاين: لنفترض وجود توأم عمر كلّ منهما عشر سنوات. اسم الأوّل (س) واسم الثاني (ص). ثمّ لنفترض أن والدهما قرّر إرسال (س) إلى مخيّم صيفيّ في نجم يُسمّى "ألفا 3" يبعد عن الأرض 25 سنة ضوئية. ولأن والد (س) يريده أن يصل إلى هناك بأسرع وقت ممكن، فقد دفع رسما إضافيّا وأرسله على متن مركبة فضائية تطير بمعدّل 99.99 في المائة من سرعة الضوء.
    الرحلة إلى النجم "ألفا 3" والعودة منه تستغرق 50 عاما. لكن ما الذي سيحدث عندما يعود (س) إلى الأرض؟ شقيقه التوأم (ص) الذي بقي على الأرض سيصبح عمره 60 عاما، أي انه سيكبر خمسين عاما. ولكن (س) سيعود من رحلته وعمره عشر سنوات ونصف السنة فقط، أي انه سيكبر نصف عام فقط. كيف يمكن أن يحدث هذا؟ (س) كان بعيدا لـ 50 عاما، ولكنه كبر نصف عام فقط. هل يمكن أن يكون قد اكتشف نافورة الشباب الأبدي؟!
    الجواب: لا، على الإطلاق. رحلة (س) إلى الفضاء لم تدم سوى نصف عام بالنسبة له. ولكن على الأرض مرّت 50 سنة. هل هذا يعني أن (س) يمكن له أن يعيش إلى الأبد؟ لا، قد يكون كبر فقط نصف عام خلال الـ 50 عاما التي استغرقها سفره حول الأرض. وبما أن الزمن يمكن أن يبطئ ولكن لا يعود أبدا إلى الوراء، فلا يمكن أو ليس هناك من طريقة يستطيع من خلالها (س) أن يصبح اصغر سنّا.
    ومع ذلك، فإن كلّ شيء نعرفه عن الفيزياء يقول لا شيء يمكن أن يتجاوز سرعة الضوء وأننا لا نستطيع أن نقفز إلى متن صاروخ ونسافر بمعدّل قريب من سرعة الضوء.
    وهناك شبه إجماع بين العلماء بأن سرعة الضوء هي رقم لا يمكن لإنسان أن يتحمّله في أيّة مركبة لفترة طويلة. بل انه حتى السفر بسرعة الضوء ليس كافيا لتغطية الأماكن البعيدة في الكون. وعلى سبيل المثال فإنه حتى مع توفّر سرعة الضوء فإن السفر من كوكبة إلى أخرى قد يستغرق مئات السنين. وتصميم مركبات أو سفن تطير بسرعة الضوء ستكون مكلّفة للغاية ومختلفة كثيرا عن تلك التي تظهر في أفلام ومسلسلات الخيال العلمي.
    والخيال العلمي يحبّ إثارة الاحتمالات والتكهّنات. ومع ذلك هناك الآن علماء يعملون ليل نهار في أماكن كثيرة من العالم وليس في أذهانهم سوى هذا السؤال: كيف يمكن كسر سرعة الضوء في الفضاء بحيث يتمكّن البشر من التعامل مع بقيّة الكون بنفس سهولة تعاملهم اليومي مع كونهم الصغير المسمّى الأرض؟
    وهناك من يتحدّث عن طيّ الفضاء ، أي السفر بأسرع من الضوء والذي يسمح للإنسان بالسفر بين النجوم في أطر زمنية. والفكرة تقوم على بناء سفينة فضاء يمكن أن تُثنى أو تُطوى داخل فقاعة زمكان "زمان-مكان" لكي تتجاوز سرعة الضوء. وهذا يبدو أمرا عظيما من الناحية النظرية. والعلماء أنفسهم يقولون إنها ليست بالفكرة المستحيلة.
    وربّما تتمكّن الأجيال القادمة من البشر من القفز بين النجوم بالطريقة التي نسافر بها هذه الأيّام ما بين المدن. غير أن التطبيق العملي لهذه الفكرة ما يزال أمرا بعيد المنال.

    Credits
    speed-light.info
    einsteinsworld.com