:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، يوليو 11، 2017

رحلة مع اللون والنغم


العلاقة المتبادلة بين الرسم والموسيقى معروفة منذ القدم. وهناك العديد من المؤلّفات الموسيقية المشهورة المستوحاة من لوحات تشكيلية. مثلا، استلهم الموسيقي الروسيّ موديست موسورسكي مُتواليته الموسيقية بعنوان صور في معرض من عشر لوحات للرسّام الفرنسيّ فيكتور هارتمان كان قد رآها في احد المعارض الفنّية في سان بطرسبورغ عام 1874.
كما استوحى سيرغي رحمانينوف موسيقاه بعنوان جزيرة الموتى من لوحة للرسّام السويسري ارنولد بوكلين بنفس الاسم . بوكلين في لوحته، ذات النسخ الخمس، يصوّر جزيرة صخرية مقفرة يحيط بها الماء من كلّ جانب. وأمام بوّابتها يتحرّك قارب صغير تقف في مقدّمته امرأة ترتدي ملابس بيضاء، وأمامها تابوت زوجها الملفوف بأردية بيضاء.
وفي وسط الجزيرة تظهر مجموعة من أشجار السرو التي تذكّر عادة بطقوس الحداد وأجواء المقابر. والانطباع الذي توصله الصورة هو الخراب واليأس والترقّب. وقد نقل رحمانينوف هذه المشاعر والأجواء في موسيقاه بعد أن رأى اللوحة.
وهناك أيضا الموسيقى المسمّاة ثلاثية بوتيتشيلليانو والتي ألّفها الموسيقيّ الايطاليّ اوتوريني ريسبيغي في مارس من عام 1927. وهي عبارة عن متوالية من ثلاثة حركات، تعتمد كل واحدة على لوحة من لوحات رسّام عصر النهضة الايطالي ساندرو بوتيتشيللي. وقد خصّص الحركة الأولى منها لتعبّر عن أجواء لوحة بوتيتشيللي المسمّاة الربيع ، بينما خصّص الحركة الثالثة لـ مولد فينوس .
كما استلهم الموسيقيّ الفرنسيّ كلود ديبوسي موسيقاه بعنوان البحر من اللوحة المشهورة الموجة الكبيرة قبالة شاطئ كاناغاوا للرسّام اليابانيّ كاتسوشيكا هوكوساي (1831 ).
وفي عام 1857، ألّف فرانز ليست معزوفة بعنوان معركة الهون بعد أن رأى لوحة الرسّام النمساويّ وليم فون كولباك بنفس الاسم.
لوحة كولباك تصوّر معركة وقعت عام 1451 بين جيوش الهون بقيادة اتيلا من جهة وبين التحالف الرومانيّ بقيادة الجنرال فلافيوس اييتيوس وملك القوط ثيودوريك من جهة أخرى. ويقال أن تلك المعركة كانت ضارية جدّا، لدرجة أن أسطورة تقول أن أرواح المحاربين استمرّت تتقاتل في السماء بينما كانت في طريقها إلى العالم الآخر.
بالمقابل، هناك رسّامون أنتجوا صورا استوحوها من أعمال موسيقية. مثلا، استلهم الرسّام موريتز فون شويند لوحته سيمفونية من موسيقى فانتازيا للبيانو لبيتهوفن . وقد تخيّل الرسّام لوحته كجدار لغرفة الموسيقى الخاصّة ببيتهوفن، ونسج في كلّ جزء من لوحته قصّة حبّ تتناغم مع جوّ كلّ حركة من حركات تلك الموسيقى.
ومن المثير للاهتمام أن فون شويند استلهم بعض لوحاته الأخرى من موسيقى شوبيرت. كان من عادة هذا الرسّام أن يسجّل في صوره مراحل معيّنة من حياته، وقد اسماها "صور سفر".
لوحته المشهورة الوداع عند الفجر صوّر فيها بطريقة شاعرية رحيله عن فيينا قبل ذلك التاريخ بثلاثين عاما. لكن في نفس الوقت كانت اللوحة ترجمة الرسّام لأحد مقاطع شوبيرت في موسيقاه رحلة الشتاء والذي يردّد فيه الشخص المتجوّل جملة تقول: أتيت غريبا .. وغريبا أرحل".
موسيقى شوبيرت هذه هي نوع من الميلودراما الغنائية. والصوت الشاعريّ هو مركز الثقل فيها، بينما تجسّد نغمات البيانو لاوعي المتجوّل الذي يقدّم تصويرا للعالم الخارجيّ.
ولوحة شويند تمسك بتلك اللحظة المصيرية والغامضة التي يلتفت فيها المتجوّل إلى الوراء، وربّما إلى الأمام في نفس الوقت. والمعروف أن الرسّام كان عاشقا للموسيقى وصديقا مقرّبا من شوبيرت. ومن الواضح أن تلك العلاقة أسهمت في صوغ تطوّره الروحيّ والإبداعيّ كرسّام.
وهناك أيضا لوحة لفريدريك ليتون اسمها أغان بلا كلمات . وقد رسمها بعد أن استمع إلى قطعة للموسيقي الألماني فيليكس ماندلسون بنفس العنوان.
كما رسم الفنّان الهولندي بيت موندريان لوحة اسماها برودواي جاز وملأها بالخطوط الصفراء والمربّعات الحمراء والزرقاء والبيضاء. وكان غرضه أن يخلق إيقاعا يشبه ديناميكية موسيقى الجاز التي سمعها لأوّل مرّة بعد أن وصل إلى نيويورك مهاجرا في سبتمبر من عام 1940م.

Credits
petermedhurst.com