:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، ديسمبر 24، 2017

بورتريه لتشايكوفسكي

روسيا بلد مترامي الأطراف. مساحتها تُقدّر بأكثر من سبعة عشر ألف كيلو متر مربع، أي أنها اكبر بلد في العالم من حيث المساحة. وأراضيها الشاسعة والباردة تضمّ احد عشر نطاقا زمنيّا، مع أماكن مجهولة لم يرَها ولم يسمع بها معظم الناس تقريبا.
وقد شُغل الروس ولقرون بهذا السؤال: هل روسيا أوربّية أم آسيوية، أم أنها تملك مجالها الخاصّ؟
غربة روسيا عن وسط القارة الأوربّية، وما الذي يعنيه هذا لشعبها، هي أيضا فكرة يتردّد صداها كثيرا في الثقافة الروسية، بدءا من شخصيات تورغينيف التي تتطلّع إلى الهروب من عزلة الريف، إلى اعتزاز ريمسكي كورساكوف بالتقاليد الموسيقية للشعوب الأصلية والقوميات المحلية.
الرسّام نيكولاي كوزنيتسوف والمؤلّف الموسيقيّ بيتر تشايكوفسكي ولدا في مكانين مختلفين في روسيا تفصل بينهما مئات الأميال . كوزنيتسوف ولد عام 1850 في ستيبانوفكا، وتشايكوفسكي ولد عام 1840 في فوتكينسك التي تبعد عن سانت بطرسبورغ بحوالي ألفي كيلومتر.
في يناير من عام 1893، قابل كوزنيتسوف تشايكوفسكي في اوديسا الواقعة على البحر الأسود. كان تشايكوفسكي وقتها في الثالثة والخمسين من عمره، وكان قد أصبح موسيقيّا مشهورا في العالم.
أما كوزنيتسوف فكان ابن عائلة إقطاعية. وقد نال ثلاث ميداليات فضّية وهو ما يزال بعدُ طالبا في الرسم وتزوّج من امرأة من الطبقة العاملة. ثم وقع له حادث أصبح بعده يمشي على عكّازين وصار لا يرسم إلا في محترفه.
من جهته، كان تشايكوفسكي يكبر كوزنيتسوف بعشر سنوات، وكان قد ملأ العالم بموسيقاه الرائعة وعمل كمايسترو في أوربّا والولايات المتحدة.
وفي ذلك اللقاء، رسم كوزنيتسوف لتشايكوفسكي هذا البورتريه "فوق" على عجل.
وقد توفّي تشايكوفسكي في وقت لاحق من تلك السنة، أي في نفس السنة التي ألّف فيها سيمفونيّته السادسة أو "باثيتيك" التي يعتبرها كثير من النقّاد إحدى أكثر القطع الموسيقية الكلاسيكية إثارةً للحزن.
تشايكوفسكي يبدو في البورتريه اكبر من عمره. في ذلك الوقت، كانت الحياة قد نالت منه كثيرا، فقد انفصلت أمّه عن والده وهو في سنّ مبكّرة، ثم توفّيت وهو في سنّ الرابعة عشرة. كما توفّي صديقه المقرّب نيكولاي روبنشتاين. وانهارت صداقته مع راعيته الأرملة الثريّة ناجيزدا فون ميك.


وفي ذلك الوقت أيضا، كان قد ألّف ستّ سيمفونيات وثلاثة كونشيرتوهات للبيانو وكونشيرتو للكمان وأحد عشر عملا اوبراليا. وأشهر هذه الأعمال وأوسعها انتشارا اليوم هو كونشيرتو البيانو رقم واحد "فوق" ومقدّمة 1812 وبعض المقاطع من باليه كسّارة البندق وباليه بحيرة البجع.
هذا البورتريه المعبّر موجود اليوم في متحف تريتيكوف في موسكو. الخلفية والملابس المرسومة بالألوان السوداء الثريّة توجّه اهتمام الناظر إلى الوجه واليدين. وربطة العنق الأنيقة تضفي على الصورة هيئة رسمية. ومن الواضح أننا أمام رجل لا يفكّر في شيء غير الموسيقى، بدليل أن يده اليمنى ترتاح على كرّاس النوتة الموسيقية الذي سيملأ العالم بالأنغام العذبة والجميلة.
وقد أثنى تشايكوفسكي على عمل الرسّام واصفا اللوحة بـ "المدهشة" وبأنها "مرسومة بعاطفة عظيمة".
ولد تشيكوفسكي لعائلة تنتمي إلى الطبقة المتوسّطة ويعني اسمها بالروسية "النوارس" أو طيور البحر. وفي سنّ السادسة كان يقرأ بالفرنسية والألمانية. ورغم انه اعتُبر "طفلا معجزة"، إلا أن سيمفونيّته الأولى رُفضت من قبل رابطة الموسيقيين الروس. كان موسيقيّه المفضّل موزارت وكان يمقت كلا من فاغنر وبرامز.
كان تشايكوفسكي إنسانا خجولا، وقد نُقل عنه قوله ذات مرّة: يمكنني أن أتحدّث مطوّلا مع أيّ إنسان، لكني أفضّل غالبا لو استطيع الهرب من الناس إلى نهاية العالم".
في سنّ الثامنة والعشرين ارتبط بسوبرانو بلجيكية تُدعى ديزيريه آرتو، لكن تلك العلاقة لم تدم طويلا. وفي السابعة والثلاثين تزوّج من تلميذته السابقة انطونينا ميليوكوفا، ولم يدم ذلك الزواج أكثر من عشرة أسابيع.
وعندما توفّي في بطرسبورغ بعد تسعة أيّام من عزفه السيمفونية السادسة، أي في أكتوبر من عام 1893، قيل أن سبب الوفاة كان بسبب شربه ماءً غير مغليّ في مطعم محليّ. لكن الاعتقاد السائد هو انه أقدم على الانتحار بابتلاع السُّمّ.
وهناك من الروس اليوم من يرون بأن موسيقى تشايكوفسكي لا تمثّل القيم الروسية وأن الأوربّيين تقبّلوها بسبب العناصر الغربية فيها. والبعض الآخر يرفض موسيقاه لأنها، حسب ما يرون، تفتقر للأفكار السامية والقيم العظيمة.
ومع ذلك، ما يزال تشايكوفسكي بنظر الكثيرين أعظم موسيقيّ كلاسيكيّ روسيّ.

Credits
tchaikovsky-research.net