:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، سبتمبر 28، 2017

مدن في البال

إسمها شيفشاون. ومن المستحيل أن تنطق الاسم بشكل صحيح. لكن الناس يسمّونها أحيانا وعلى سبيل الاختصار "شاون" أو المدينة الزرقاء. وهي بنظر الكثيرين أجمل مدن الريف المغربيّ بلا منازع وواحد من أكثر الأماكن فتنةً في العالم.
وشيفشاون مختبئة في أعالي جبال الريف على مسافة نصف يوم من فاس. وكلّ شيء فيها مختلف، لدرجة أن سكّانها يتكلّمون الاسبانية وليس الفرنسية أو العربية.
وأنت تمشي في أزقّة المدينة القديمة والمزدحمة، ستلمح رجالا مسنّين ينزلون ويصعدون درج البيوت وعلى رؤوسهم العمائم. كما ستلاحظ وجود العديد من القطط التي تقبع أمام أبواب البيوت المطليّة باللون الأزرق.
والمدينة القديمة ليست بالكبيرة ولكنها من تلك النوعية من المدن التي تحسّ بالسعادة وأنت تذرع شوارعها وتتمشّى في أسواقها مرّة بعد مرّة دون أن تملّ.
ويقال أن لشيفشاون تاريخا طويلا من ثقافة الحشيش. ولطالما اجتذبت المدينة الزوّار الذين يأتون باحثين عن الماريوانا الأسطورية، حتى قبل أن تقوم شركات الطيران بإدراج المدينة على جداول رحلاتها.
وجبال الريف التي تحيط بالمدينة تشكّل مركز زراعة الكيف بالمنطقة، وهذه سمة فريدة لشيفشاون التي يتعايش فيها الإسلام والثقافات البوهيمية جنبا إلى جنب. لذا لا تندهش إذا سمعت نداء الصلاة ينطلق من المسجد، بينما يتصاعد من مكان مجاور دخان لفائف الحشيش المحترقة.
وفي الصباح الباكر لا بدّ وأن يلفت انتباهك منظر الأفران التي توزّع الخبز الساخن على الأهالي، بينما تهبط النساء من المزارع الجبلية القريبة ليبعنَ حليب الماعز في أسواق المدينة.
وعندما تستدير قليلا يمكنك رؤية المسجد الاسبانيّ ذي الألوان البيضاء السّاطعة فوق تلّة في شرق المدينة. وقد بنى الأسبان هذا المسجد عندما قدموا إلى شيفشاون في عشرينات القرن الماضي.
وبيوت المدينة كلّها زرقاء في كلّ الاتجاهات ومن مختلف الظلال والتدرّجات. هناك ازرق خفيف وأزرق داكن وأزرق مشتعل وأزرق مملّ. أزرق في كلّ مكان.
وبينما تتأمّل ألوان البيوت، ستشعر وكأنك في عالم سحريّ متجمّد أو كما لو انك مستغرق في حلم يقظة. ومع اختلاف الضوء في كلّ ساعة من ساعات النهار، يتغيّر لمعان الأزرق وترى الأزقّة من جديد بظلال مختلفة من هذا اللون الذي يحيل كلّ شيء إلى حالة من النقاء والشفافية.


ومن هذه الناحية، تُعتبر شيفشاون مختلفة كثيرا عن العديد من مدن المغرب الأكبر مثل مرّاكش وفاس وغيرهما. فبيئتها الملوّنة وتلالها الخضراء لا تشبه الألوان البرتقالية والبنّيّة التي تميّز معظم طبيعة المغرب.
والمدينة محاطة بطبيعة جبلية يمكن أن يستغرق المشي فيها يوما أو أكثر. كما أن هناك دروبا في الجبال تخترق حقول الماريوانا، وهذا سبب آخر في أن السيّاح يفضّلون القدوم إلى شيفشاون والإقامة فيها أشهرا طويلة.
وقلّة المناظر في هذه المدينة هي جزء من سحرها. ومن السهل أن تقضي يوما في التجوال وتنظر إلى الأزرق من زوايا جديدة فوق الدرج وتحته وعلى طول الشوارع وعبر الممرّات الصغيرة.
والسماء الزرقاء مغطّاة غالبا بغلالة من السحب الرمادية الثقيلة. يقول زائر معلّقا: هناك الكثير من الأزرق على الأرض، لذا لا حاجة للمزيد منه في السماء".
وليست هناك أيّة إشارات عن أصل اللون الأزرق الجميل أو من أين جاء إلى هنا. لكن هناك من ينسبه إلى جماعة جاءت إلى شيفشاون في القرون الوسطى ثم فُقدت آثارها منذ زمن طويل.
وفي الأصل تأسّست المدينة كي تكون معسكرا للاجئين المسلمين واليهود الذين طُردوا من اسبانيا في منتصف القرن الخامس عشر. وعندما بدأ هتلر باضطهاد اليهود وطردهم من ألمانيا في ثلاثينات القرن الماضي، هرب العديد منهم وانتهى بهم المطاف إلى هنا.
وإلى ما قبل عام 1948، كانت العائلات اليهودية في شيفشاون تعيش بسلام مع جيرانها من العرب والأمازيغ، لكن معظمهم هاجروا بعد ذلك إلى فلسطين.
ورغم تعدّد النظريات عن أصل اللون الأزرق، إلا انه يظلّ الاختيار المناسب. إذ من السهل أن تضيع في بحر من الأزرق وأن تقضي فيه ساعات طويلة وأنت فاقد لمفهوم الزمن والاتّجاه. والسكّان لا يستمتعون برمزية هذا اللون فحسب، لكنهم أيضا يقولون انه يحافظ على برودة بيوتهم ويبعد عنها الحشرات الضارّة.
ويمكن القول أن شيفشاون نسخة أخرى من مدينة سانتوريني اليونانية، لكن من دون بحر ومع الكثير من الأشجار الخضراء التي تحيط بها. وهناك أيضا من يشبّهها بمدينة جودبور الهندية التي يغلب على مبانيها، هي أيضا، اللون الأزرق.
المغرب بلد الألوان الرائعة، ومدنه تقترن عادة بألوان محدّدة، فمرّاكش هي المدينة الحمراء وفاس مغمورة في وهج شمس يميل ضوئها إلى الاصفرار.
وإذا فكّرت في زيارة المغرب ضع في أولوياتك أن تزور شيفشاون، المدينة التي تغتسل في ألف ظلّ رائع من الأزرق والتي يعتبرها الكثيرون أحد أكثر الأماكن في العالم إمتاعا للعين والحواسّ.

Credits
lonelyplanet.com